مقالات

آية السيد تكتب : “بين العلم والتاريخ”… لماذا تعد الأبراج خرافة؟

 

لطالما ألهمت سماء الليل الانسان ودفعته إلى التفكير وطرح الأسئلة، فراح يتحرى عن اجرامها
ويدرس خصائصها وحركاتها تارة، ممارسا ما نسمه اليوم علم (astronomy) محاولا استخدام تلك الخصائص فى تكهن أحداث حياته الشخصية ومعرفة صفاته تارة الأخرى، وهذا ما يعرف بالتنجيم (astrology), وهو علم زائف لأسباب سنعرضها فى هذا المقال.
فى علم الفلك، تسمى مجموعة النجوم ذات الشكل المعين، الكوكبة وقد حاولت الشعوب منذ القدم إعطاء معنى لأشكال هذه المجموعات، فعندما لاحظ قدماء المصريين أن النجوم موزعة توزيعا غير متساوى، وأنها مجموعات ذوات أشكال معينة، توهموا فى إحدى أقدم أساطيرهم وأن الالهة (نوت) تحيط بالسماء وتحمل جسمها على يديها وقدميها، ولتسهيل الوصول إلى مجموعات النجوم التى عرفوها، وقسموا منطقة واسعة على طول خط الأستواء إلى ستة وثلاثين قسما، يحوى كل منهما ما يمكن رصده من النجوم والمجموعات الساطعة كل عشرة أيام وسموا كل منها (الديكان).
لكل من يهمنا هو أن قدماء الفلكيين من البابليين، ومن بعدها الرومان والاغريق، اختاروا اثنتى عشرة مجموعة (كوكبة) من النجوم وأطلقوا عليها أسماء من وحى ثقافاتهم، ولم تكن تلك المجموعات إلا الكوكبات التى تظهر الشمس وسط كل منها فى رحلتها خلال السنة الشمسية المكونة من اثنى عشر شهرا الأرض فى الواقع هى من يدورحول الشمس لنا تبدو لنا الشمس تنتقل شهريا بين المجموعات، وسميت هذه المجموعات الأثنتى عشرة بالأبراج، ولعل الاسم قد أتى من علو ارتفاعها فى السماء.
ومن هنا رسمت دائرة افتراضية تضم هذه المجموعات، تسمى دائرة البروج (Zadiac)، ويفترض أن هذه الدائرة تحيط بالدائرة الأفتراضية الأخرى التى ترسمها الارض بالدوران حول الشمس، والتى تنقسم بدورها إلى اثنى عشر شهرا يقابل كل شهر منها برجأ من دائرة البروج.
وبذلك وحسب هذا الاعتقاد، فأننا حين ننظر إلى موضع الشمس فى شهرها، ومن هنا جاء الأعتقاد الآخر القائل إلى ولادة مولود فى شهر معين، تجعل مجموعة النجوم المقابلة لشهر ولادته (برجه) تؤثر فى مجريات حياة هذا الطفل وصفاته.
ولكن هذا غير صحيح لأسباب عدة، نذكر منها الحقيقة الأولى أن أماكن الأبراج حسبما نراها اليوم لم تعد حيث ما كانت قبل ٢٥٠٠عام، فبفضل ظاهرة تدعى المبادرة المحورية، وهى تغير زواية المحور الذى تدور به الأرض حول نفسها عبر الزمن، فقد تحركت نقطة تقاطع دائرة البروج مع خط الأستواء السماوى (وهو امتداد فلكى لخط الأستواء الأرضى ليشكل دائرة واسعة حول الارض فى الفضاء) بمقدار ٣٦درجة، أى عشر دورة كاملة.
ما يعنى أن الأبراج قد انتقل موضعها بنحو شهر كامل، فمن كان برجه حسبما وضعت الأبراج قديما برج الثور، فأن برجه الأن ما هو إلا الحمل، وهذا يتطلب تغيير ترتيب الأبراج بالكامل، ويغير من الأساس الذى وضعت عليه الأبراج وهو ارتباط الولادة فى شعر ما بصفة معينة تخص كوكبة محددة.
الحقيقة الثانية هى أن عدد المجموعات النجمية التى تمر خلالها الشمس ليس فى واقع الامر اثنا عشر، بل ثمة مجموعة ثالثة عشر تدعى (الحواء)، يتجاهلها المنجمون لأن باعتبار عدد المجموعات ١٣ لن يعود عدد الأبراج يناسب عدد الشهور الشمسية.
أما التجارب العلمية حول ارتباط موعد ولادة الانسان بصفاته وشؤون حياته ليست فى صف قراءه الطالع كذلك، ذلك أن الدراسات التى قارنت بين مجموعات الأشخاص ممن ولدوا فى مواعيد متشابهة لهم تظهر أيه ارتباط بين صفاتهم بعد المقارنة على المدى البعيد، ولا حتى التؤام منهم ومن أشهر التجارب المجراة عن علاقة الأبراج بالصفات الشخصية تجربة العالم (شون كارلسون) سنة ٢٠٠٨المنشورة فى مجلة.(Nature)، التى حددت بدقة مواعيد ولادة ١٠٠شخص اختيروا للتجربة، وأشكال النجوم فى أوقات ولادتهم، وقارنتها بنبؤات التنجيم عن شخصياتهم والتجربة المنشورة فى مجلة ( per sonality and individual differences)
عام ٢٠٠٦، وكلتاهما لم تخرج بأى ارتباط بين الصفات ومواعيد الولادة.
الكثير منا يجد توقعات المنجمين صادقة فيما يخص حياته والسبب أن المنجمون يلجأون عادة إلى توقعات فضفاضة يمكن تطبيقها بشكل ما على غالبية الناس، ويتجنبون ذكر التفاصيل أو ما يزيد من قابلية النبؤة للتكذيب، ويساعدهم فى إقناعنا عليه تقبل هذا العوامل النفسية عند الإنسان تجعله يميل إلى اسقاط قول المنجمين على نفسه، رغم أن الكلام قد يكون عاما وينطبق على الكثيرين، وهذا ما يعرف بتأثير فورير، نسبة إلى عالم النفسى الأمريكى بيرتام فورير، الذى أجرى تجربة على طلابة لأختبار هذا التاثير، فوزع على كل منهم بطاقة تحمل ١٤نقطة من المفترض أنها تحاول وصف شخصية كل منهم ثم تطلب منهم تقييم دقة هذا الوصف، فكان متوسط التقييم ٥/٤,٣، أى أن أغلبهم شعر أن النقاط المكتوبة تصفه تماماً..
لكن المفاجأه كانت أنهم تلقوا جميعا نفس البطاقة، ولذلك كذب المنجمون ولو صدقوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى